الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صفة جزيرة العرب (نسخة منقحة)
.المشهور من محافد اليمن وقصورها القديمة التي ذكرتها العرب في الشعر والمثل: محافد اليمن كثيرة الذي فيها من الشعر بابٌ واسع وقد جمع لك كله الكتاب الثامن من الإكليل ونذكر الآن المشهور منها ذكراً مرسلاً فأولها وأقدمها غمدان ثم تلفم وناعط وصرواح وسلحين بمأرب ظفار وهكر وضهر وشبام وغيمان وبينون وريام وبراقش ومعين وروثان وإرياب وهند وهنيدة وعمران والنجير بحضرموت..المواضع المضروب بها المثل من هذه الجزيرة على حد الاستبعاد: يقولون لست معجز لنا ولو بلغت الشحر ولو حالت دونك يبرين، وبلغت حضرموت. قال الشمردل بن شريك يصف الرياح:وحضرموت وبلغن الصِّينا فضم إلى هذه المواضع الصين لبعدها عنده، ويقولون: أسحقه الله وأبعده والحق روحه بأرواح الكفار ببرهوت، ويقولون: سنبلغه، ولو كان أبعد من أنف اللَّوذ، ويقولون: لابد من صنعاء ولو طال السفر، ويقولون: لو بلغ صنعاء القصبة ولو بلغ برك الغماد وفي الحديث أنّ سعد بن معاذ أو المقداد بن عمرو قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه إلى بدر: لن نقول لك يا رسول الله كما قالت بنو إسرائيل لنبيِّها عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون والله لو اعترضت بنا ماء البحر لخضناه أو قصدت بنا برك الغماد لقصدناه. وفي الحديث أن أبا الدرداء قال لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل فلم أجد أحداً يفتحها عليَّ الأرجل ببرك الغماد لرحلت إليه وهو أقصى حجر باليمن، ذكر برك الغماد، ثم ذكر موضعه من قصور اليمن، قال أبو محمد: قد ذكر برك الغماد محمد بن أبان بن حريز الخنفري وهو في بلد الخنفريين بناحية حنوي منعج فقال: هذه مواضع في منقطع الدُّمينة وعزازة من سفلى المعافر، البرك حجارة مثل حجارة الحرة خشنة وعثة متعاضة يصعب المسلك فيها.ذكر ما أتى من الشعر جامعاً لكثير من مساكن العرب ومسالكها مما تناهي إلينا وسمعناه، وذلك قليل من كثير مما يعلمه العرب لأنه في خصائص من المواضع، فأما ما أتى من الشعر على الإفراد في أجزاء هذه الجزيرة، والعموم بها فما لا يحيط به أحد ولا يقدر على جمعه واستيعابه، لأن كل شاعر قد ذكر من مواضع الدَّمن والأطلال ومواقع الغيث ومنابت الكلأ ما لم يذكره غيره إلا الخطاء، فمن ذلك قول الأخنس بن شهاب التغلبي يذكر بعض منازل العرب من هذه الجزيرة: السيف ضفة البحرين، ولكيز بن أفصى بن عبد القيس، ويريد بالهند هاهنا السند، ويقال البصرة، وكان صقعها تسميّه العرب قديماً بهذا الاسم. سميت الحرة الرجلاء لأنها ترجل سالكها ولا يقدر فيها على لركوب والحجاز كثير الحرار والحرة وهي اللُّوبة والجمع لوبٌ قال سلامة بن جندل: وهي لابة والجمع لابٌ وقد قيل تلو إن الحجاز سمي حجازاً لكثرة الحرار فيه واحتجاز أهلها من العدو ولذلك قال النابغة وذكر امتناعه بحرة النار: وممن القصيدة الأولى قوله: الشرك حبل الطريق في المياه وغيرها: وقال أبو قيس بن الأسلت يزجر غطفان عن مناجزة الخزرج: ومن ذلك قول بعض آل أسعد بن ملكيكرب تبع منازل من خرج من اليمن في سائر جزيرة العرب وغيرها: وقال عبد الله بن عبد الرحمن الأزدي في كلمته التي يذكر فيها افتراق الأزد: ولما خرج عمرو مزيقياء بن عامر السماء وهو مالك بن اليمان من مأرب في جماعة الأزد وظهرا إلى مخلاف خولان وأرض عنس وحقل صنعاء فاقبلوا لا يمرون بماء إلا انزفوه ولا بكلأ إلا سحقوه لما فيهم من العدد والعدد والخيل والإبل والشاء والبقر وغيرها من أجناس السَّوام وفي ذلك تضرب لهم الرُّواد في البلاد تلتمس لهم الماء والمرعى، وكان من روادهم رجل من بني عمرو بن الغوث خرج لهم رائداً إلى بلاد إخوتهم همدان فرأى بلاداً لا تقوم مراعيها بأهلها وبهم فأقبل آئبا حتى وافاهم وقام فيهم منشداً لهذه الأبيات: يريد بالطود ما قطع اليمن من جبل السّراة الذي بين نجدها وتهامتها وسمي طوداً، ووجد في بعض كتب ذي مأذن كتاب بالمسند: من كريبٍ ذي ماذنم إلى أهل تهامة وطودم في كلام قد ذكرناه في كتاب الإكليل: وكان من روادهم رجل يقال له عائذ بن عبد الله من بني مالك بن نصر بن الأزد خرج لهم رائداً إلى بلد إخوتهم حمير فرأى بلاداً وعرة لا تحملهم مع أهلها فأقبل آيباً حتى وافاهم فقام فيهم منشداً وأنشأ يقول: ثم أنهم أقاموا بأزال وجانب بلد همدان في جوار ملك حمير في ذلك العصر حتى استحجرت خيلهم ونعمهم وماشيتهم وصلح لهم طلوع الجبال فطلعوها من ناحية سهام ورمع وهبطوت مها على ذوال وغلبوا غافقاً عليها وأقاموا بتهامة ما أقاموا حتى وقعت الفرقة بينهم وبين كافة عك فساروا إلى الحجاز فرقا فصار كل فخذ منهم إلى بلد فمنهم من نزل السَّروات ومنهم من تخلف بمكة وما حولها ومنهم من خرج إلى العراق ومنهم من سار إلى الشام ومنهم من رمى قصد عُمان واليمامة والبحرين ففي ذلك يقول جماعة البارقي: فأما ساكن عمان من الأزد فيحمد وحدَّان ومالك والحارث وعتيك وجديد وأما من سكن الحيرة والعراق فدوس، وأما من سكن الشام فآل الحارث: محرق وآل جفنة ابني عمرو، وأما من سكن المدينة فالأوس والخزرج، وأما من سكن مكة ونواحيها فخزاعة، وأما من سكن السَّروات فالحجر بن الهنو ولهب وناه وغامد ومن دوس وشكر وبارق السَّوداء وحاء وعليّ بن عثمان والنمر وحوالة وثمالة وسلامان والبقوم وشمران وعمرو ولحق كثير من ولد نصر بن الأزد بنواحي الشَّحر وريسوت وأطراف بلد فارس فالجويم فموضع آل الجلندى.خبر تنازع مراد بن مذحج وقسيّ بن معاوية وهم ثقيف في أرض وجّ عند النبي صلى الله عليه وسلم وما قضى به فيها:هذا ما أتى عن عامر بن شراحيل الشعبي في مطالبة وفد مراد لاستخراج وج عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال الشعبي قدم ظبيان بن كدادة المرادي على النبي عليه السلام وهو في مسجده بالمدينة فسلم ثم قال: إن المليك الله والهادي إلى الخير آمنا به وشهدنا أن لا إله غيره ونحن من سرارة مذحج من يحابر بن مالك لنا مآثر ومآرب ومآكل ومشارب أبرقت لنا مخايل السماء، وجادت علينا شأبيب الأنواء، فتوقَّلت بنا القلاص من أسافل الجوف ورؤوس الهضب ورفعتها عزاز الربا، وألحفتها دآديُّ الدجى، وخفضتها بطنان الرِّقَّاق وقصوات الأعماق، حتى حلت بأرضك وسمائك نوالي من والاك، ونعادي من عاداك، والله مولانا ومولاك، إن وجِّا وشرفات الطائف كانت لبني مهلائيل بن قينان غرسوا أوديته وذللوا خشانه، ورعوا قريانه، فلما عصوا الرحمان هب عليهم الطوفان، فلم يبق منهم على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح، فلما أقلعت السماء، وغاض الماء أهبط الله نوحاً ومن معه حزن الأرض وسهلها ووعرها وجبلها فكان أكثر بنيه ثباتاً وأسرعهم نباتاً من بعده عاد وثمود وكانا في البغي كفرسي رهان، فأما عاد فأهلكهم الله عز وجل بالرّيح العقيم، والعذاب الأليم، وأما ثمود فرماها بالدُّمالق، وأهلكها بالصواعق، كانت بنو هانىء بن هذلول بن هوذلة بن ثمود يسكنونهاوهم الذين خطوا مشاربها، وأتوا جداولها وأحيوا عراصها، ورفعوا عراشها، ثم إن حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها وكهول الناس وأغمارها، حتى بلغوا أدناها وأقصاها، وملكوا أخراها وأولاها، فكان لهم البيضاء والسوداء، وفارس الحمراء، والخزنة الصفراء، فبطروا النعم واستحقوا النقم، فضرب الله تعالى بعضهم ببعض وأهلكهم في الدنيا بالغدر فكانوا كما قال شاعرنا: ثم إن قبائل من الأزد نزلوها على عهد عمرو بن عامر ففتحوا فيها الشرائع وبنوا فيها المصانع فكان لهم ساكنها وعامرها وقاربها وسامرها حتى نفتها مذحج بسلاحها، ونحتها برماحها، فأجلوا عنها عناناً، وتركوها عياناً، وحاولوها زماناً، ثم ترامت مذحج بأسنتها، وتسربت باعنتها، فغلب العزيز أذلها، وأكل الكثير أقلها، وكنا معاشر يحابر أوتاد مرساه، ونظام أولاها، وصفاة مجراها، فأصابنا بها القحوط، وأخرجنا منها القنوط، بعدما غرسنا بها الأشجار، وأكلتا بها الثمار، وكان بنو عمرو ابن خالد بن جذيمة يخبطون عضيدها، ويأكلون حصيدها، ويرشحون خضيدها حتى ظعنا منها، ثم إن قسيّ بن معاوية وإياد بن نزار نزلوا بها فلم يصلوا بها حبلاً؟؟؟؟! ولم يجعلوا لها أكلاً، ولم يرضوا آخراً، ولا أولاً، فلما أثرى ولدهم، وكثر عددهم، تناسوا بينهم حسن البلاء، وقطعوا منهم عقد الولاء، فطارت الحرب بينهم حتى أفنى بعضهم بعضاً فاردد الينا بلدنا يا رسول الله.قال: فوافق عند رسول الله الأخنس بن شريق وأسود بن مسعود الثقفييِّن فقال الأسود بن مسعود بن مغيث مجيباً له: يا رسول الله إن بني هاني بن هذلول بن هوّذلة بن ثمود كانوا ساكني بطن وجّ بعد هلاك مهلائيل بن قينان فعطِّلت منازلها وتركت مساكنها خراباً وبناؤها فتحامتها العرب تحاميا وتجافت عنها تجافيا مخافة أن يصيبها ما أصاب عادا وثمود من معاريض البلاء، ودواعي الشقاء، فلما كثرت قحطان وضاقت بها فجاجها ساق بعضهم بعضاً فانتجعوا رضاً فأرضاً وأقامت بنو عمرو بن خالد بن جذيمة ثم إن قسي بن معاوية وإياد بن نزار ساروا إليهم فساقوهم السمام، وأوردوهم الحمام، فأخلوها وتوجهوا منها إلى اليمن والتمست إياد المناصفة من المغنم فأبت قسيّ عليهم وكانت قسيّ أكثر من إياد عدداً، وأوضع منهم بلداً، فتلاحقوا حتى وقدت الحرب في هضباتها وخاضوا في غمراتها وأخرجوهم من سرواتها وأناخوا على إياد بالكلكل وسقوهم بصبير النَّيطل حتى خلا لهم خبارها وحزونها وظهورها وبطونهاوقورها وعيونها ورحلت إياد إلى العراق وأقامت قسيّ ببطن وجّ ليس لهم شائبة يأكلون ملاحها، ويرعون سراحها ويختبطون طلاحها، ويأبرون نخلها، ويملكون سهلها وجبلها.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن نعيم الدنيا أقل وأصغر من خربصيصة ولو عدلت عند الله عزّ وجلّ جناح ذباب لم يكن لمسلم لحاح، ولا لكافر بها براح، ولو علم المخلوق مقدار يومه لضاقت عليه برحبها ولم ينفعه حبور ولا خفض ولكنه غم عليه الأجل، ومد له في الأمل وإنما سميت الجاهلية لضعف أعمالها وجهالة أهلها فمن أدركه الإسلام وفي يده خراب أو عمران فهو له على وظف زكواته لكل مؤمن خلصّي أو معاهد ذميّ، إن أهل الجاهلية عبدوا غير الله عز وجل ولهم أعمال ينتهون إلى مدتها، ويصيرون إلى نهايتها مؤخر عنهم العقاب إلى يوم الحساب، أمهلهم بقدرته، وجلاله وعزته، فغلب الأعز منها الأذل، وأكل الكثير منها الأقل، والله الأعلى الأجل، فما كان في الجاهلية فهو موضوع من سفك دم وانتهاك محرم عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام» فلم يردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد وقضى بها لثقيف وقنع ظبيان بن كدادة وأنشأ يقول: جبل، ودخل هذا الكلام في كتاب الإكليل مفسراً فاغفلنا تفسيره في هذا الموضع.
|